أنشر المقال

جامع ابن يوسف بمراكش

لما ابتنى المرابطون مدينة مراكش وجعلوها مركز حكمهم وعاصمة دولتهم، قدم إليها العلماء والحكماء وورد عليها طلبة العلم من كل حدب وصوب مما دفع السلطان علي بن يوسف بن تاشفين إلى إنشاء جامع يستجيب لحاجيات الأمة على المستوى التعليمي والتربوي فتم تشييده سنة 514ه / 1120م وأنفق على بنائه 70 ألف دينار

يعرف هذا الجامع بجامع ابن بوسف منذ أن أسس، كما سُمي بجامع السقاية لتواجد سقاية إزاءه، ذكر أبو علي صالح المصمودي في كتابه القبلة: [... بنى علي بن يوسف قبلة جامع السقاية وجعل محرابه في الجدار الذي يلي القطانيين فحولت بعد ذلك إلى الموضع الذي كان فيه الآن، وموضع المحراب الأول لا زال معروفا إلى الآن]. كما توجد قبالته قبة كانت تشكل قاعة لوضوء المصلين، تُعرف بالقبة المرابطية أو قبة الباروديين

تعد هذه القبة من أجمل الآثار العمرانية المرابطية الأندلسية التي لا زالت صامدة إلى اليوم رُغم الدمار الذي طالها من طرف الموحدين عندما استولوا على مراكش

ومن غرائب ما قرأت أن الأمير علي بن يوسف حشر لتصويب قبلة الجامع أربعين فقيها من فقهاء الأندلس من بينهم ابن رشد الجد، ومالك بن وهيب وغيرهما. يقول أبو علي صالح المصمودي: [ولم يكن في المغرب الأقصى محراب اشتهر أن الفقهاء أجمعوا على تصويب قبلته عند بنيانه فيما بلغ علمنا إلا مسجد واحد هو مسجد علي بن يوسف بمراكش]

وقد ذكر الأستاذ أحمد متفكر في كتابه "مساجد مراكش عبر التاريخ" : ومنذ أُسِّس هذا الجامع وهو منارة من منارات العلم والفكر، تُضرب إليه أكباد الإبل، وتعج رحابه بالعلماء وشيوخ التربية. فانقطع إليه من الأندلس من كل علم فحوله، واجتمع له من أعيان الكتاب وفرسان البلاغة ما لم يتفق اجتماعه في عصر من العصور. وللمسجد ذكر حافل من قديم، فقد قيلت فيه كلمات ثناء وتعظيم، منها ما قاله الشيخ سعيد بن عبد المنعم: [عجبت لمن يقول مراكش لغير جامع ابن يوسف]

وأضاف أحمد متفكر أنه جاء رجل من أكابر أهل فاس لزيارة الشيخ سيدي أبي عمرو القسطلي المراكشي المدفون برياض العروس قرب حومة باب دكالة، فالتقى به في ملأ من الناس، فاستحضر الزائر معه من الأدب ما يستحضر الأكياس، فسأله الشيخ عن البلد وسكانها؟ فقال له الزائر من جهة التعجب والتعظيم: الله الله إن جامع القرويين يكاد ينبع العلم من حيطانها، فقال له الشيخ: الله الله إن جامع ابن يوسف يكاد السر ينبع من حيطانها، فانقطع كلام المتكلم حين ظهر له ما بين السر والعلم

لكن الجامع طالته أيادي التخريب والهدم على غرار باقي مساجد المدينة من طرف الموحدين. ذلك أن عبد المؤمن الموحدي لما استولى على مراكش بعد حصار لها دام سبعة أشهر، نفذ وصية المهدي بن تومرت مؤسس الدولة الموحدية والتي يقول فيها : [لا تدخلوها حتى تطهروها] أي "لا تدخلوا مراكش حتى تطهروها". وقد أولوها بأن المساجد المرابطية منحرفة عن القبلة في زعمهم، فكان لزاما هدمها وتشييد أخرى تحل محلها. لكن الحسن الوزان الفاسي يرد على هذه المسألة في كتابه "وصف إفريقيا" حيث يقول : [.. وقد هدمه عبد المومن، يعني الجامع اليوسفي، وأعاد بناءه برض واحد وهو أن يمحو اسم علي ويجعل اسمه مكانه، فذهب عمله سدى، لأنه لا يجري على ألسنة الناس الآن إلى الاسم القديم]

ويذكر أحمد متفكر في المصدر نفسه أن الجامع قد أعاد بناءه الأمير المرتضى عمر عبد الله الموحدي سنة 654ه / 1256م فاعتنى به، كما جُدِّد في العهد المريني يوم بُنيت المدرسة العجيبة إزاءه، وفي عهد المولى سليمان العلوي أعيد إصلاحه من جديد وتم بناء صومعته الحالية عام 1235ه / 1819م، وترك غربي المسجد أسس الصومعة القديمة. أما بنايته الحالية فهي لا تمثل إلى جزء من المساحة التي كان يشغلها في العصر المرابطي

وكان يوجد في هذا الجامع خزانة عظيمة جدا، تضم نفائس الكتب والمخطوطات، فكانت قبلة للعلماء والكتاب والأدباء. وفي رجب 656ه كتب السلطان المرتضى الموحدي مصحفا بخط يده في عشرة أجزاء، وقد حبسه على جامع ابن يوسف كما جاء في عبارة التحبيس. ويُعد هذا المصحف أقدم مصحف معروف (موجود بعض أجزائه) مكتوب بالمغرب. وكان يوجد تاما بهذه الخزانة إلى عام 1149هـ / 1737م، ثم تفرقت شذر مذر، والمعروف منها لحد الآن خمسة أجزاء كما جاء في "العلوم والآداب والفنون على عهد الموحدين" لمحمد المنوني

وهذا هو نص التحبيس للسلطان الموحدي: [حبسه كاتبها بيمينه عبد الله عمر الموحدي على من يقرأ فيها من المسلمين، وكان استقرارها بالبيت المعد للمصاحف المحبسة قبلها بالقبلة المتصل بالمحراب هناك، وكتب في الثاني من رجب 656ه وتحته إمضاؤه. والتوقيع هذا صحيح نحن أمرنا به وأن يشهد علينا بمضمنه إن شاء الله عز وجل، وذلك في التاريخ المذكور جعل الله ذلك ذخرا لدينا] من فهرس مخطوطات خزانة ابن يوسف بمراكش

التعليقات

مقال جميل ، جد نافع للتعرف على تاريخنا مغربنا الماتع، فيه من التفصيل ما لا يتيه بالقرئ، و فيه من التركيز ما يشد إليه قرائته، جزاك الله خيرا سي زكرياء ، و نتمنى من الله لك مزيدا من التوفيق و الفلاح إن شاء الله، بوركت أخي.

سلام الله عليكم معلومات قيمة ملخصة وذا فائدة كبيرة ومما زاد المقال جمالا نوع الخط المختار لكتابة المقال فقط يجب تحديد موقع المسجد لمن يرغب في زيارته ن بعد قراءة المقال .مثلا يبعد المسجد عن ساحة جامع الفناء حوالي 10 دقائق مشيا .جزاك الله خيرا اخي الكريم ع

One of the most spiritual and inspiring vestiges . The history behind this place is just breath taking. Hoping that authorities will turn the radar towards such remnants of ancient empires. That's the heritage that's worth incorporating in our educational curriculum. Such endeavour would enhance the feeling of belonging and pride. I for starters didn't know much of its history and now i I am really humbled in front of its splendor

مقال جميل فيه تفصيلات تجمع شتات ماكتب، مزيدا من العطاء .

... ماشاء الله ،مقال ممتع .وفقكم المولى أخي الكريم

مقال شامل التعريف بالمعلمة التاريخية جامع بن يوسف تكاد تتخيل انك تعيش تلك الحقبة شكرا لمجهودك

السلام عليكم ورحمه الله تعالى وبركاته الحمدلله الذي بنعمه تتم الصالحات أما بعد ،فجزاكم الله خيرا على هذا العمل المقتدر للتعريف بالحضرة المراكشية ،وفقكم الله لكل خير

مقال جد متميز ،مزيدا من التألق ان شاء الله

عمل طيب، واصل أيها الطيب، دمت معطاء

وفقك الله مقال غني و ممتع

بدايتا سلام و عليكم ورحمة الله وبركاته اعجبني المقال جيدا لم يسبق لي ان قرأت مثل هذا التعليق على جامع بن يوسف و هو شرف لي ان اتعرف من قرب عن تاريخ مراكش عموما و تاريخ الجامع خصوصا شكرا ????????

hv0ld5

we5gmc

6z3yic

أترك تعليقا









أنشر المقال

إذا لديك سؤال، استفسار أو مشاركة فأرسل لنا رسالة